فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

الإشكال الخامس: في هذه الوجوه:
أن الإيمان إذا كان بمعنى التصديق لا يتعدى إلى المصدق بحرف اللام لا يقال صدقت لزيد بل يقال: صدقت زيدًا، فكان ينبغي أن يقال: ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم، وعلى هذا التقدير يحتاج إلى حذف اللام في قوله: {لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} ويحتاج إلى إضمار الباء أو ما يجري مجراه في قوله: {أَن يؤتى} لأن التقدير: ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، فقد اجتمع في هذا التفسير الحذف والإضمار وسوء النظم وفساد المعنى، قال أبو علي الفارسي: لا يبعد أن يحمل الإيمان على الإقرار فيكون المعنى: ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وعلى هذا التقدير لا تكون اللام زائدة، لكن لابد من إضمار حرف الباء أو ما يجري مجراه على كل حال، فهذا محصل ما قيل في تفسير هذه الآية والله أعلم بمراده.
ثم قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء والله واسع عَلِيمٌ}. اهـ.

.قال ابن عادل:

قرأ ابنُ كثير: {أأن يؤتى} بهمزة استفهام وهو على قاعدته من كونه يسهل الثانية بين بين من غير مدة بينهما، وخُرِّجَتْ هذه القراءةُ على وجوهٍ:
أحدها: أن يكون {أَن يؤتى} على حذف حرف الجر- وهو لام العلة- والمُعَلَّل محذوف تقديره: ألأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبَّرتموه- وتقدم تحقيقه- وهذه اللفظة موضوعة للتوبيخ، كقوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين} [القلم: 14- 15]، والمعنى: أمن أجل أن يُؤتَى أحدٌ شرائعَ مثلَ ما أوتيتم من الشرائع تُنْكِرون اتباعه؟ ثم حذف الجواب، للاختصارِ، تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشرَ اليهودِ من الكتاب والحكمة تحسدونه، ولا تؤمنون به، قاله قتادةُ والربيعُ، وهذا الحذفُ كثيرٌ؛ يقول الرجل- بعد طول العتاب لصاحبه، وتعديده عليه ذنوبه بعد قلة إحسانه إليه-: أمِنْ قلة إحساني إليك؟ أمِنْ إساءتي إليك؟ والمعنى: أمن هذا فعلتَ ما فعلتَ؟ ونظيره: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، وهذا الوجه يُروى عن مجاهد وعيسى بن عُمَرَ. وحينئذ يسوغ في محل أن الوجهان- أعني النصب- مذهب سيبويه- والجر مذهب الخليلِ.
وثانيها: أن {أَن يؤتى} في محل رفع بالابتداء، والخبر محذوف، تقديره: أأن يُؤتَى أحَدٌ- يا معشر اليهودِ- من الكتاب والعلم مثل ما أوتيتم تصدقون به، أو تعترفون به، أو تذكرونه لغيركم، أو تُشيعونه في الناس، ونحو ذلك مما يَحْسُنُ تقديره، وهذا على قول مَنْ يقول: أزَيْدٌ ضربته؟ وهو وجه مرجوحٌ، كذا قدره الواحديُّ تبعًا للفارسيِّ وأحسن من هذا التقدير لأن الأصل أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به.
الثالث: أن يكون منصوبًا بفعل مقدَّرٍ يُفَسِّرُه هذا الفعل المُضْمَر، وتكون المسألة من باب الاشتغال، التقدير: أتذكرون أن يؤتى أحَدٌ تذكرونه؟ فتذكرونه مُفَسِّرٌ لتذكرون الأولى، على حد: أزيدًا ضربتَه؟ ثم حذف الفعل الأخير؛ لدلالة الكلام عليه، وكأنه منطوقٌ به، ولكونه في قوةِ المنطوقِ به صَحَّ له أن يُفَسِّر مُضْمَرًا وهذه المسألة منصوص عليها، وهذا أرجح من الوجه قبله، لأنه مثل: أزيدًا ضربته وهو أرجح، لأجل الطالب للفعل، ومثل حذف هذا الفعل المقدَّر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91] تقديره: آلآن آمنتَ، ورجعتَ وثبت، ونحو ذلك.
قال الواحديُّ: فإن قيل: كيف جاز دخول {أحَدٌ} في هذه القراءة، وقد انقطع من النفي، والاستفهام، وإذا انقطع الكلام- إيجابًا وتقريرًا- فلا يجوز دخول {أحَدٌ}.
قيل: يجوز أن يكون {أحَدٌ}- في هذا الموضع- أحدًا الذي في نحو أحد وعشرين، وهذا يقع في الإيجاب، ألا ترى أنه بمعنى واحد.
قال أبو العباسِ: إن أحَدًا ووَحَدًا ووَاحِدًا بمعنًى.
وقوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ}، أو في هذه القراءة- بمعنى حتى، ومعنى الكلام: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يُحَاجُّوكُمْ عند ربكم.
قال الفراء: ومثله في لكلام: تَعَلَّق به أو يُعْطيك حَقَّك.
ومثله قول امرئ القيس: [الطويل]
فَقُلْتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا ** نُحَاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فنُعْذَرَا

أي حتى، ومن هذا قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128]، ومعنى الآية: ما أعطي أحد مثل ما أوتيتم- يا أمة محمدٍ- من الدين والحُجَّة حتى يحاجوكم عند ربكم، قال: فهذا وَجْهٌ، وأجود منه أن تجعله عَطْفًا على الاستفهام، والمعنى: أأن يُؤتَى أحَد مثل ما أوتيتم أو يحاجَّكم أحد عند الله تصدقونه؟.
وهذا كله معنى قول أبي علي الفارسي.
ويجوز أن يكون {أَن يؤتى أَحَدٌ} منصوبًا بفعل مُقَدَّرٍ لا على سبيل التفسير، بل لمجرد الدلالة المعنوية، تقديره: أتذكرون، أو أتشيعونه. ذكره الفارسي أيضا، وهذا هو الوجه الرابع.
الخامس: أن يكون {أَن يؤتى}- قراءته- مفعولًا من أجله على أن يكون داخلًا تحت القول لا من قول الطائفة، وهو أظهر مِنْ جَعْلِه من قَوْل الطَّائِفَةِ.
قال ابن الخطيبِ: أما قراءة من يقصر الألف من أنْ فقد يُمْكن أيضاحها على معنى الاستفهام، كما قرئ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم} [البقرة: 6]- بالمد والقصر- وكذا قوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] قرئ بالمد والقصر.
وقال امرؤ القيس: [المتقارب]
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ ** وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأنْ تَنْتَظِر؟

أراد: أتروح؟ فحذف ألف الاستفهام؛ لدلالة أم عليه، وإذا ثبت أن هذه القراءةَ مُحْتَمِلَةٌ لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.
وقد ضعف الفارسيُّ قراءةَ ابن كثيرٍ، فقال: وهذا موضع ينبغي أن تُرَجَّحَ فيه قراءةُ غيرِ ابنِ كثير على قراءة ابن كثير؛ لأن الأسماء المُفْرَدةَ ليس بالمستمر فيها أن تدلَّ على الكثرة.
وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة: إن يُؤتَى-بكسْر الهمزة- وخرَّجها الزمخشريُّ على أنها إنْ النافية، فقال: وقُرِئَ: {إن يؤتى أحد} على إن النافية، وهو متصل بكلام أهل الكتاب، أي: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} وقولوا لهم: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم، يعني ما يُؤتَوْنَ مثلَه فلا يحاجونكم.
قال ابنُ عطيةَ: وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطابًا من الطائفة القائلة، ويكون قولها: أو يحاجوكم بمعنى: أو فَلْيُحَاجُّوكُمْ، وهذا على التصميم على أنه لا يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم، أو يكون بمعنى إلا أن يحاجوكم، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له، فقد ظهر- على ما ذكره ابن عطية- أنه يجوز في {أوْ}- في هذه القراءة- أن تكون على بابها من كونها للتنويع والتخيير، وأن تكون بمعنى إلا إلا أن فيه حذفَ حرفِ الجزمِ، وإبقاء عمله وهو لا يجوز، وعلى قول غيره تكون بمعنى حَتَّى.
وقرأ الحسن: أن يُؤتِيَ أحَد- على بناء الفعل للفاعل- ولما نقل بعضهم هذه القراءةَ لم يتعرَّض لأن- بفتح ولا بكسر- كأبي البقاء، وابن عطية، وقيَّدَها بعضُهم بكسر أنْ وفسَّرها بإن النافية، والظاهر في معناه أن إنعام الله تعالى لا يُشْبِهه إنعام أحد من خلقه، وهي خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، والمفعول المحذوف، تقديره: إن يُؤتِيَ أحَدٌ أحَدًا مثل ما أوتيتم، فحذف المفعول الأول، وهُوَ أحَدٌ؛ لدلالة المعنى عليه، وأبقى الثاني، فيكون قول اليهودِ وقد تم عند قوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} وما بعده من قول الله تعالى، يقول: {قل} يا محمدُ إن {الهدى هُدَى الله أَن يؤتى} إنْ بمعنى الجحد، أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، أو يحاجوكم، يعني: إلا أن يجادلكم اليهودُ بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم وهذا معنى قول سعيد بن جُبَيرٍ والحسن والكلبيِّ ومقاتلٍ وهذا ملخَّص كلام الناسِ في هذه الآية مع اختلافهم.
قال الواحدي: وهذه الآيةُ من مشكلات القرآن، وأصعبه تفسيرًا؛ ولقد تدبَّرْتُ أقْوَالَ أهلِ التفسير، والمعاني في هذه الآية، فلم أجد قولًا يَطَّرِدُ في الآيةِ، من أوَّلِها إلى آخرهَا، مع بيان المعنى في النظم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود أمرين:
أحدهما: أن يؤمنوا وجه النهار، ويكفروا آخره، ليصير ذلك شبهة للمسلمين في صحة الإسلام.
فأجاب عنه بقوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} والمعنى: أن مع كمال هداية الله وقوة بيانه لا يكون لهذه الشبهة الركيكة قوة ولا أثر.
والثاني: أنه حكى عنهم أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا من الكتاب والحكم والنبوة.
فأجاب عنه بقوله: {قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} والمراد بالفضل الرسالة، وهو في اللغة عبارة عن الزيادة، وأكثر ما يستعمل في زيادة الإحسان، والفاضل الزائد على غيره في خصال الخير، ثم كثر استعمال الفضل لكل نفع قصد به فاعله الإحسان إلى الغير وقوله: {بِيَدِ الله} أي أنه مالك له قادر عليه، وقوله: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} أي هو تفضل موقوف على مشيئته، وهذا يدل على أن النبوة تحصل بالتفضل لا بالاستحقاق، لأنه تعالى جعلها من باب الفضل الذي لفاعله أن يفعله وأن لا يفعله، ولا يصح ذلك في المستحق إلا على وجه المجاز وقوله: {والله واسع عَلِيمٌ} مؤكد لهذا المعنى، لأن كونه واسعًا، يدل على كمال القدرة، وكونه عليمًا على كمال العلم، فيصح منه لمكان القدرة أن يتفضل على أي عبد شاء بأي تفضل شاء، ويصح منه لمكان كمال العلم أن لا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب. اهـ.

.قال صاحب التفسير الواضح:

روى أن جماعة من أهل الكتاب قالوا لسفلتهم: آمنوا بمحمد أول النهار واكفروا آخره، فإن سئلتم في ذلك قولوا: آمنا حتى إذا رجعنا إلى التوراة والإنجيل عرفنا أنه ليس النبي المبشر به في التوراة فلعل ذلك يكون مدعاة لرجوع من آمن بمحمد.
ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الرسالة والنبوة إلا لمن تبع دينكم، أى: لا تعترفوا أمام العرب مثلا بأنكم تعتقدون أنه يجوز أن يبعث نبي من غير بنى إسرائيل وهذا مبنى على أنهم ينكرون جواز بعثة نبي من العرب بألسنتهم مكابرة وعنادا للنبي صلى الله عليه وسلم لا اعتقادا، وأنهم كانوا لا يصرحون باعتقادهم المستكن في أنفسهم إلا لمن آمنوا له من قومهم وهذا مكرهم وخداعهم لئلا يزداد المسلمون ثباتا على الدين، والمشركون دخولا فيه، ولا تؤمنوا لغير أتباعكم لأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم يوم القيامة ويغالبونكم عند الله بالحجة، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى الله} اعتراض على معنى: ليس إظهاركم أو إخفاؤكم له دخل في الهداية بل الهداية من الله والتوفيق، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. اهـ.

.قال القرطبي:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا نهي، وهو من كلام اليهود بعضهم لبعض، أي قال ذلك الرؤساء للسّفلة.
وقال السدي: من قول يهودِ خيبر ليهود المدينة.
وهذه الآية أشكل ما في السورة.
فروي عن الحسن ومجاهد أن معنى الآية ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم لأنهم لا حجة لهم فإنكم أصح منهم دِينًا.
وأن و{يحاجوكم} في موضع خفض، أي بأن يحاجوكم أي باحتجاجهم، أي لا تصدّقوهم في ذلك فإنهم لا حجة لهم.
{أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من التوراة والمنّ والسلوى وفرق البحر وغيرها من الآيات والفضائل.
فيكون {أن يؤتى} مؤخرًا بعد {أَوْ يُحَآجُّوكُمْ}، وقوله: {إِنَّ الهدى هُدَى الله} اعتراض بين كلامين.
وقال الأخفش: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدّقوا أن يحاجوكم؛ يذهب إلى أنه معطوف.
وقيل: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؛ فالمَدّ على الاستفهام أيضا تأكيد للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتي أحد مثل ما أوتوه؛ لأن علماء اليهود قالت لهم؛ لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتي أحد مِثل ما أوتيتم؛ أي لا يؤتي أحد مثل ما أوتيتم؛ فالكلام على نسقه.
وأن في موضع رفع على قول من رفع في قولك أزيد ضربته، والخبر محذوف تقديره أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم تصدّقون أو تقرون، أي إيتاء موجود مصدَّقٌ أو مُقَرّ به، أي لا تصدّقون بذلك.
ويجوز أن تكون أن في موضع نصب على إضمار فعل؛ كما جاز في قولك أزيدًا ضربته، وهذا أقوى في العربية لأن الاستفهام بالفعل أولى، والتقدير أتقرّون أن يؤتي، أو أتشِيعون ذلك، أو أتذكرون ذلك ونحوه.
وبالمد قرأ ابن كثير وابن محيصِن وحميد.
وقال أبو حاتم: أن معناه ألأَنْ، فحذفت لام الجر استخفافا وأبدلت مدّةً؛ كقراءة من قرأ {أَن كَانَ ذَا مَالٍ} [القلم: 14] أي ألأن.
وقوله: {أو يُحَاجُّوكُم} على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين؛ أو تكون {أو} بمعنى أَنْ لأنهما حَرْفَا شكّ وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر.
وتقدير الآية: وأن يحاجوكم عند ربكم يا معشر المؤمنين، فقل: يا محمد إن الهدى هدى الله ونحن عليه.
ومن قرأ بترك المدّ قال: إن النفي الأوّل دلّ على إنكارهم في قولهم ولا تؤمنوا.
فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم: لا تصدّقوا بأن يُؤتَى أحد مثل ما أوتيتم، أي لا إيمان لهم ولا حجة؛ فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمنّ والسّلْوَى وفَلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات، أي إنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم.
فالكلام فيه تقديم وتأخير على هذه القراءة واللام زائدة.
ومن استثنى ليس من الأوّل، وإلا لم يجز الكلام.
ودخلت {أَحَدٌ} لأن أوّل الكلام نفي، فدخلت في صلة أن لأنه مفعول الفعل المنفي؛ فأن في موضع نصب لعدم الخافض.
وقال الخليل: أنْ في موضع خفض بالخافض المحذوف.
وقيل: إن اللام ليست بزائدة، و{تُؤمِنُوا} محمول على تُقِرّوا.